سورة الفرقان - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} وهذه المفاجأة بالاحتجاج والإلزام حسنة رائعة وخاصة إذا انضم إليها الالتفات وحذف القول ونظيرها: {ياأهل الكتاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ على فَتْرَةٍ مَّنَ الرسل} إلى قوله {فَقَدْ جَاءكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} [المائدة: 19] وقول القائل:
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا *** ثم القفول فقد جئنا خراساناً
{بِمَا تَقُولُونَ} بقولكم فيهم إنهم آلهة، والباء على هذا كقوله: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} [ق:] والجار والمجرور بدل من الضمير كأنه قيل: فقد كذبوا بما تقولون. وعن قنبل بالياء ومعناه فقد كذبوكم بقولهم: {سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} والباء على هذا كقولك (كتبت بالقلم) {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً} {فما يستطيعون} أي فما يستطيع آلهتكم أن يصرفوا عنكم العذاب أو ينصرونكم. وبالتاء حفص أي فما تستطيعون أنتم يا كفار صرف العذاب عنكم ولا نصر أنفسكم. ثم خاطب المكلفين على العموم بقوله {وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ} أي يشرك لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ومن جعل المخلوق شريك خالقه فقد ظلم يؤيده قوله تعالى: {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] {نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً} فسر بالخلود في النار وهو يليق بالشرك دون الفاسق إلا على قول المعتزلة والخوارج.


{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام وَيَمْشُونَ فِى الأسواق} كسرت (إن) لأجل اللام في الخبر والجملة بعد {إلا} صفة لموصوف محذوف، والمعنى وما أرسلنا قبلك أحداً من المرسلين إلا آكلين وماشين، وإنما حذف اكتفاء بالجار والمجرور أي من المرسلين ونحوه {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] أَيُّ وَمَا مِنَّا أَحَدٌ. قِيلَ: هو احتجاج على من قال: {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} وتسلية للنبي عليه الصلاة والسلام {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} أي محنة وابتلاء، وهذا تصبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما عيروه به من الفقر ومشيه في الأسواق يعني أنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء فيغني من يشاء ويفقر من يشاء {أَتَصْبِرُونَ} على هذه الفتنة فتؤجروا أم لا تصبروا فيزداد غمكم. وحكي أن بعض الصالحين تبرم بضنك عيشه فخرج ضجراً فرأى خصياً في مواكب ومراكب فخطر بباله شيء فإذا بمن يقرأ هذه الآية فقال: بلى فصبراً ربنا. أو جعلتك فتنة لهم لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنان لكانت طاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا فإنما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك خالصة لنا {وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً} عالماً بالصواب فيما يبتلي به أو بمن يصبر ويجزع.
{وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ} لا يأملون {لِقَاءنَا} بالخير لأنهم كفرة لا يؤمنون بالبعث أو لا يخافون عقابنا إما لأن الراجي قلق فيما يرجوه كالخائف، أو لأن الرجاء في لغة تهامة الخوف {لَوْلاَ} هلا {أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة} رسلاً دون البشر أو شهوداً على نبوته ودعوى رسالته {أَوْ نرى رَبَّنَا} جهرة فيخبرنا برسالته واتباعه {لَقَدِ استكبروا فِى أَنفُسِهِمْ} أي أضمروا الاستكبار عن الحق وهو الكفر والعناد في قلوبهم {وَعَتَوْ} وتجاوزوا الحد في الظلم {عُتُوّاً كَبِيراً} وصف العتو بالكبر فبالغ في إفراطه أي أنهم لم يجسروا على هذا القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو. واللام في {لقد} جواب قسم محذوف.


{يَوْمَ يَرَوْنَ الملئكة} أي يوم الموت أو يوم البعث و{يَوْم} منصوب بما دل عليه {لاَ بشرى} أي يوم يرون الملائكة يمنعون البشرى. وقوله {يَوْمَئِذٍ} مؤكد ل {يوم يرون} أو بإضمار اذكر أي اذكر يوم يرون الملائكة، ثم أخبر فقال: لا بشرى بالجنة يومئذ ولا ينتصب ب {يرون} لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا ب {بشرى} لأنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله ولأن المنفي بلا لا يعمل فيما قبل (لا) {لّلْمُجْرِمِينَ} ظاهر في موضع ضمير أو عام يتناولهم بعمومه وهم الذين اجترموا الذنوب والمراد الكافرون لأن مطلق الأسماء يتناول أكمل المسميات {وَيَقُولُونَ} أي الملائكة {حِجْراً مَّحْجُوراً} حراماً محرماً عليكم البشرى أي جعل الله ذلك حراماً عليكم إنما البشرى للمؤمنين. والحجر مصدر والكسر والفتح لغتان وقريء بهما وهو من حجره إذا منعه، وهو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها، و{مَّحْجُوراً} لتأكيد معنى الحجر كما قالوا (موت مائت).
{وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} هو صفة ولا قدوم هنا ولكن مثلت حال هؤلاء وأعمالهم التي عملوها في كفرهم من صلة رحم وإغاثة ملهوف وقرى ضيف ونحو ذلك بحال من خالف سلطانه وعصاه فقدم إلى أشيائه وقصد إلى ما تحت يديه فأفسدها ومزقها كل ممزق ولم يترك لها أثراً. والهباء ما يخرج به من الكوة مع ضوء الشمس شبيهاً بالغبار، والمنثور المفرق وهو استعارة عن جعله بحيث لا يقبل الاجتماع ولا يقع به الانتفاع. ثم بين فضل أهل الجنة على أهل النار فقال:
{أصحاب الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً} تمييز والمستقر المكان الذي يكونون فيه في أكثر أوقاتهم يتجالسون ويتحادثون {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} مكاناً يأوون إليه للاسترواح إلى أزواجهم، ولا نوم في الجنة ولكنه سمي مكان استراحتهم إلى الحور مقيلاً على طريق التشبيه. وروي أنه يفرغ من الحساب في نصف ذلك اليوم فيقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وفي لفظ الأحسن تهكم بهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8